فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إذا السماء انفطرت}
انفطارها: انشقاقها.
و{انتثرت} بمعنى تساقطت.
و{فجرت} بمعنى فُتح بعضها في بعض فصارت بحراً واحدًّا.
وقال الحسن: ذهب ماؤها، و{بُعْثِرَتْ} بمعنى أثيرت.
قال ابن قتيبة: قُلِبَتْ فأُخْرِج ما فيها.
يقال بَعْثَرْتُ المتاع وبَحْثَرْتُه: إذا جعلتَ أسفله أعلاه.
قوله تعالى: {علمت نفس ما قدَّمت وأخرت} هذا جواب الكلام.
وقد شرحناه في قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإنسان يومئذ بما قدَّم وأخَّر} [القيامة: 13].
قوله تعالى: {يا أيها الإنسان} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه عُنِيَ به أبو الأشدين، وكان كافراً، قاله ابن عباس، ومقاتل.
وقد ذكرنا اسمه في [المدثر: 30].
والثاني: أنه الوليد بن المغيرة، قاله عطاء.
والثالث: أُبيّ بن خلف، قاله عكرمة.
والرابع: أنه أشار إلى كل كافر، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {ما غَرَّكَ} قال الزجاج: أي: ما خَدَعك وسوَّلَ لك حتى أضعتَ ما وجب عليك؟.
وقال غيره: المعنى: ما الذي أمَّنك من عقابه وهو كريم متجاوز إذْ لم يعاقبك عاجلاً؟ وقيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله سبحانه يوم القيامة، وقال: ما غرَّك بربك الكريم، ماذا كنت تقول؟ قال: أقول: غرني سُتورك المرخاة.
وقال يحيى بن معاذ: لو قال لي: ما غرك بي؟
قلت: بِرُّك سالفاً وآنفاً.
قيل: لما ذكر الصفة التي هي الكرم هاهنا دون سائر صفاته، كان كأنه لقَّن عبده الجواب، ليقول: غَرَّني كرم الكريم.
قوله تعالى: {الذي خلقك} ولم تك شيئاً {فسوَّاك} إنساناً تسمع وتبصر {فعدلك} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر {فعدلك} بالتشديد.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {فعدلك} بالتخفيف.
قال الفراء: من قرأ بالتخفيف، فوجهه والله أعلم فصوَّرك إلى أي صورة شاء، إما حَسَن، وإما قبيح، وإما طويل، وإما قصير.
وقيل: في صورة أب، في صورة عم، في صورة بعض القرابات تشبيها.
ومن قرأ بالتشديد، فإنه أراد والله أعلم-: جعلك معتدلاً، معدَّل الخلقة.
وقال غيره: عدَّل أعضاءك فلم تفضل يد على يد، ولا رِجل على رجل، وعدل بك أن يجعلك حيواناً بهيماً.
قوله تعالى: {في أي صورة ما شاء ركَّبك} قال الزجاج: يجوز أن تكون {ما} زائدة.
ويجوز أن تكون بمعنى الشرط والجزاء، فيكون المعنى: في أي صورة ما شاء أن يركِّبك فيها ركبك.
وفي معنى الآية أربعة أقوال.
أحدها: في أي صورة من صور القرابات ركَّبك، وهو معنى قول مجاهد.
والثاني: في أي صورة، من حسن، أو قبح، أو طول، أو قصر، أو ذَكَر، أو أنثى، وهو معنى قول الفراء.
والثالث: إن شاء أن يركِّبك في غير صورة الإنسان ركبك، قاله مقاتل.
وقال عكرمة: إن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير.
والرابع: إن شاء في صورة إنسان بأفعال الخير.
وإن شاء في صورة حمار بالبلادة والبله، وإن شاء في صورة كلب بالبخل، أو خنزير بالشره، ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: {بل تكذِّبون بالدِّين} وقرأ أبو جعفر (بالياء) أي: بالجزاء والحساب، تزعمون أنه غير كائن.
ثم أعلمهم أن أعمالهم محفوظة، فقال تعالى: {وإن عليكم لحافظين} أي: من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم {كراماً} على ربِّهم {كاتبين} يكتبون أعمالكم {يعلمون ما تفعلون} من خير وشر، فيكتبونه عليكم.
قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} وذلك في الآخرة إذا دخلوا الجنة {وإن الفجار}.
وفيهم قولان.
أحدهما: أنهم المشركون.
والثاني: الظَّلَمة.
ونقل عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لأبي حازم: يا ليت شعري ما لنا عند الله؟ فقال له: اعرض عملك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عنده، فقال: وأين أجده؟ قال: عند قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: قريب من المحسنين.
قوله تعالى: {يصلونها} يعني: يدخلون الجحيم مقاسين حرَّها {يوم الدِّين} أي: يوم الجزاء على الأعمال {وما هم عنها} أي: عن الجحيم {بغائبين} وهذا يدل على تخليد الكفار.
وأجاز بعض العلماء أن تكون {عنها} كناية عن القيامة، فتكون فائدة الكلام تحقيق البعث.
ويشتمل هذا على الأبرار والفجار.
ثم عظَّم ذلك اليوم بقوله تعالى: {وما أدراك ما يوم الدِّين} ثم كرَّر ذلك تفخيماً لشأنه، وكان ابن السائب يقول: الخطاب بهذا للإنسان الكافر، لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {يوم لا تملك نفس لنفس} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {يوم} بالرفع والباقون بالفتح.
قال الزجاج: من رفع (اليوم)، فعلى أنه صفة لقوله تعالى: {يوم الدين}.
ويجوز أن يكون رفعه بإضمار (هو)، ونصبه على معنى: هذه الأشياء المذكورة تكون {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً} قال المفسرون: ومعنى الآية أنه لا يملك الأمرَ أحدٌ إلا الله، ولم يملِّك أحدًّا من الخلق شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا.
وكان مقاتل يقول: لا تملك نفس لنفسٍ كافرةٍ شيئاً من المنفعة.
والقول على الإطلاق أصح، لأن مقاتلاً فيما أحسب خاف نفي شفاعة المؤمنين.
والشفاعة إنما تكون عن أمر الله وتمليكه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إذا السّماء انفطرت} أي انشقت {وإذا الكواكب انتثرت} أي تساقطت {وإذا البحار فجرت} أي فجر بعضها في بعض واختلط العذب بالملح، فصارت بحراً واحدًّا، وقيل معنى فجرت فاضت.
{وإذا القبور بعثرت} أي بحثرت، وقلب ترابها وبعث من فيها منه الموتى أحياء.
{علمت نفس ما قدمت وأخرت} يعني علمت في ذلك اليوم ما قدمت من عمل صالح، أو سيئ، وأخرت بعدها من حسنة أو سيئة، وقيل ما قدمت من الصّدقات وأخرت من الزّكوات، وهذه أحوال يوم القيامة.
قوله: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} أي ما خدعك، وسول لك الباطل حتى صنعت ما صنعت، وضيعت ما أوجب عليك، والمعنى ماذا أمنك من عقابه، قيل نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل في أبي الشّريق، واسمه أسيد بن كلدة، وقيل كلدة بن خلف، وكان كافراً ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله وأنزل الله هذه الآية، وقيل الآية عامة في كل كافر وعاص، يقول ما الذي غرك، قيل غره حمقه، وجهله وقيل تسويل الشّيطان له، وقيل غره عفو الله عنه حيث لم يعاجله بالعقوبة في أول مرة بربك الكريم، أي المتجاوز عنك، فهو بكرمه لك لم يعاجلك بعقوبته بل بسط لك المدة لرجاء التّوبة.
قال ابن مسعود «ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة. فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم! ماذا عملت؟ فيما علمت يا ابن آدم؟ ماذا أجبت المرسلين».
وقيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله يوم القيامة فيقول لك يا ابن آدم ما غرك بربك الكريم؛ ماذا كنت تقول؟
قال: أقول غرني ستورك المرخاة، وقال يحيى بن معاذ: لو أقامني بين يديه، وقال ما غرك بي أقول غرني بربك بي سالفاً وآنفاً.
وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت غرني كرم الكريم، وقال بعض أهل الإشارة: إنما قال: {بربك الكريم} دون سائر أسمائه، وصفاته كأنه لقنه حجته في الإجابة حتى يقول غرني كرم الكريم.
{الذي خلقك} أي أوجدك من العدم إلى الوجود {فسواك} أي جعلك سوياً سالم الأعضاء، تسمع وتبصر {فعدلك} أي عدل خلقك في مناسبة الأعضاء فلم يجعل بعضها أطول من بعض، وقيل معناه جعلك قائماً معتدلاً حسن الصّورة، ولم يجعلك كالبهيمة المنحنية {في أي صورة ما شاء ركبك} أي في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم، وجاء في الحديث: «إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ: {في أي صورة ما شاء ركبك}»، وقيل معناه إن شاء ركبك في صورة إنسان، وإن شاء في صورة دابة أو حيوان، وقيل في أي صورة ما شاء ركبك من الصور المختلفة بحسب الطول، والقصر، والحسن، والقبح والذكورة، والأنوثة، وفي هذه دلالة على قدرة الصانع المختار القادر.
وذلك أنه لما اختلفت الهيئات، والصفات دل ذلك على كمال القدرة، واتساع الصنعة، وأن المدبر المختار هو الله تعالى.
قوله: {كلا بل تكذبون بالدين} أي بيوم الحساب والجزاء {وإن عليكم لحافظين} يعني رقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم {كراماً} أي على الله {كاتبين} أي يكتبون أقوالكم وأعمالكم {يعلمون ما تفعلون} يعني من خير أو شر.
قوله: {إن الأبرار} يعني الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء ما افترض الله عليهم، واجتناب معاصيه.
{لفي نعيم} يعني نعيم الجنة {وإن الفجار لفي جحيم} روي أن سليمان بن عبد الملك قال: لأبي حازم المزني ليت شعري ما لنا عند الله، فقال له: اعرض عملك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عند الله، قال: أين أجد ذلك في كتاب الله؟ قال: عند قوله: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} قال سليمان فأين رحمة الله قال قريب من المحسنين {يصلونها يوم الدين} يعني يوم القيامة لأنه يوم الجزاء.
{وما هم عنها بغائبين} أي عن النّار ثم عظم شأن ذلك اليوم فقال تعالى: {وما أدراك ما يوم الدين} قيل المخاطب بذلك هو الكافر، وهو على وجه الزّجر له، وقيل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: والمعنى أي شيء أعلمك به لو لم نعرفك أحواله {ثم ما أدراك ما يوم الدين} التكرير لتعظيم ذلك اليوم، وتفخيم شأنه {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً} أي لا تملك نفس كافرة شيئاً من المنفعة {والأمر يومئذ لله} يعني أنه لم يملك الله في ذلك أحدًّا شيئاً كما ملكهم في الدنيا، والله أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة الانفطار:
مكية.
وهي تسع عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا السماء انفطرت}
انشقت {وَإِذَا الكواكب انتثرت} تساقطت {وَإِذَا البحار فجرت} فتح بعضها إلى بعض وصارت البحار بحراً واحدًّا {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} بحثت وأخرج موتاها وجواب {إذا} {عَلِمَتْ نَفْسٌ} أي كل نفس برة وفاجرة {مَّا قَدَّمَتْ} ما عملت من طاعة {وَأخرت} وتركت فلم تعمل أو ما قدمت من الصدقات وما أخرت من الميراث {يا أيّها الإنسان} قيل: الخطاب لمنكري البعث {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم الذي خَلَقَكَ} أي شيء خدعك حتى ضيعت ما وجب عليك مع كرم ربك حيث أنعم عليك بالخلق والتسوية والتعديل؟ وعنه عليه السلام حين تلاها «غره جهله».
وعن عمر رضي الله عنه: غره حمقه.
وعن الحسن: غره شيطانه.
وعن الفضيل: لو خوطبت أقول غرتني ستورك المرخاة.
وعن يحيى بن معاذ أقول: غرني برك بي سالفاً وآنفاً {فَسَوَّاكَ} فجعلك مستوي الخلق سالم الأعضاء {فعدلك} فصيّرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود، أو جعلك معتدل الخلق تمشي قائماً لا كالبهائم.
وبالتخفيف: كوفي وهو بمعنى المشدد أي عدّل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت فكنت معتدل الخلقة متناسباً {فِى أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} (ما) مزيد للتوكيد أي ركبك في أي صورة اقتضتها مشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر، ولم تعطف هذه الجملة كما عطف ما قبلها لأنها بيان لـ: {عدلك} والجار يتعلق بـ: {رَكَّبَكَ} على معنى وضعك في بعض الصور ومكنك فيها، أو بمحذوف أي ركبك حاصلاً في بعض الصور.
{كَلاَّ} ردع عن الغفلة عن الله تعالى: {بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين} أصلاً وهو الجزاء أو دين الإسلام فلا تصدقون ثواباً ولا عقاباً {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين} أعمالكم وأقوالكم من الملائكة {كِرَاماً كاتبين} يعني أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم.
وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور، وفيه إنذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين.
وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال: ما أشدها من آية على الغافلين! {إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ} إن المؤمنين لفي نعيم الجنة {وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ} وإن الكفار لفي النار {يَصْلَوْنَهَا يوم الدين} يدخلونها يوم الجزاء.
{وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغائبين} أي لا يخرجون منها كقوله تعالى: {وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا} [المائدة: 37] [البقرة: 167].
ثم عظم شأن يوم القيامة فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يوم الدين ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يوم الدين} فكرر للتأكيد والتهويل وبينه بقوله: {يوم لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} أي لا تستطيع دفعاً عنها ولا نفعاً لها بوجه وإنما تملك الشفاعة بالإذن.
{يوم} بالرفع: مكي وبصري أي هو يوم، أو بدل من {يوم الدين} ومن نصب فبإضمار (اذكر) أو بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه {والأمر يومئِذٍ لِلَّهِ} أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره. اهـ.